Monday, February 14, 2011

منصور الرحباني .... الغائب الحاضر


      


     رحل منصور الرحباني عن لبنان والعالم ،أما مدرسته مدرسة "الأخوين رحباني" بكل المفاهيم الإنسانية والقيم الوطنية التي حملتها بقيت نبراساً ينير فكرنا ويغني عقلنا. صحيح أن جسد منصور الرحباني رحل، لكن عطره لا يزال يفوح ويتنقل بيننا ليذكرنا بالقضايا التي عالجتها المسرحيات والأغنيات الرحبانية على إختلاف الحقبات.
     من منكم لم يسمع الأهل واللبنانيين والعالم يرددون إسم "الأخوين رحباني" .ومن منكم لم يغن للبنان بكلمات أغانيهم،فأنتم دوماً تغنون"بحبك يا لبنان يا وطني بحبك... بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك..." و" بتتلج الدني وبتشتي الدني ويا لبنان بحبك لتخلص الدني...." ومن منكم لم يرقص على أغنيات "دبكة لبنان" ،" شتي يا دني تيزيد موسمنا ويحلا...". ومن منكم لم يشاهد أعمالهم المسرحية التي علمتنا عشق لبنان "الرحباني" حيث تشبثنا أكثر بكل حبة من تراب لبنان. ومن منكم لم تعلمه أغانيهم الحبوفن الحب ،فأحببنا أن نحب، حيث حاكت كلمات أغانياتهم قلوبنا ودغدغت مشاعرنا وحركت أحاسيسنا، فأحببنا حتى " نسينا النوم".
      بصرت عيون  منصور الرحباني  النور عام 1925  في بلدة إنطلياس وإنطلق في الحياة الفنية مشكلاً مع شقيقه عاصي علامةً فارقة في الموسيقى العربية .دفع حب منصور الرحباني للفن والشعر والموسيقى الى الإستقالة  من الشرطة والتفرغ الى تقديم لون فني جديد في الإذاعة اللبنانية عام   1945حيث إعتمادا تسمية "الأخوين رحباني" ليدأ بذلك الحقبة الأولى من من حياته الفنية برفقة شقيقه عاصي.
      شكل زواج عاصي الرحباني  بـنهاد حداد التي عرفت فيما بعد بـ "فيروز" مرحلةً إنتقالية أساسية في حياة "الأخوين رحباني " الفنية. حملت فيروز بصوتها الى العالم أجمع رسالات إنسانية ووطنية وعربية وتاريخية وقعّتها حكمة وبعد نظر عاصي ومنصور.
      كانت فيروز البطلة المطلقة للمسرح الرحباني الذي إنطلق في الستينات، حمل في ثناياه قياماً تدعو الى الأخوة والثورة على الظلم والإضطهاد والإحتلال وها هي مسرحية "ناطورة المفاتيح" شاهدة حية على حث الشعب على الثورة على الإضطهاد. ولا يزال فيلم "سفر برلك" حاضرأ في أرشيف المدرسة الرحبانية حيث أعطوا مثالأ حياً على مقاومة الشعب للإحتلال التركي.
       كتب عاصي ومنصور الرحباني للوطن والشعب.رفضوا التزلف والتبعية لأحدٍ من الحكام أو الرؤساء،ولا تجد في أرشيف الرحابنة أغنية واحدة أو حتى جملة تعّظم أي ملك أو رئيس أو زعيم.لا بل كانوا من أشد النقاد للسياسات الخاطئة والملتبسة التي ينتهجها الحكام والحكومات والدول وإنصب عملهم على الكتابة للأوطان والشعوب المختلفة، فروا التاريخ وإستفادوا من العبر والأخطاء سعياً لتحقيق مستقبل أفضل لكل الشعوب،فتخطوا بذلك الزمان والمكان.
حفر الأخوين رحباني التراث الغنائي اللبناني في الذاكرة العربية،فرسمت معالمه المستقاة من لبنان الأرز والبحر، لبنان القرية والمدينة، ومن يوميات المواطن اللبناني العادي وطرحوا همومه وهواجسه وأفكارة وأحلامه ودعوا الى المحبة وبساطة البيئة، وتغلغلوا الى عقول اللبنانيين والعرب بالكلمة الهادفة والموسيقى المحرّكة للأحاسيس.
      إعتلت الأعمال المسرحية الرحبانية الكثير من خشبات المسارح في لبنان والعالم.إستضافهم "مسرح البيكاديللي" ورحبت بهم مدراج "قلعة بعلبك"وغنت لها فيروز "بعلبك، أنا شمعة على دراجك... وردة على سياجك... أنا زيت بسراجك... بعلبك يا قصة عز علياني....".
      توقف عاصي ومنصور الرحباني عن الإنتاج الفني مع بدأ الحرب في السبعينيات التي كادت أن تقضي على روح الحياة اللبنانية ،فإحتجوا على تدمير البشر والحجر،ولم يرضوا أن يزرع  بلد العيد "على الداير ناراً وبواريد". وفي هذا الإطار لم يكن للرحابنة دوراً فنياً هادفاً في القضايا التي تعني لبنان واللبنانيين فحسب،بل كانت فلسطين قضيتهم الأسمى الى جانب لبنان. دعموا الشعب الفلسطيني في ثورته أوائل الستينات عبر" خذوني الى بيسان" و" سنرجع يوماً الى حيفا ويافا" وغنت فيروز الى مدينة الصلاة " يا قدس".
      وإضافةً الى المسرح والإغنيات، توّسع حضور الفن الرحباني ليشمل صناعة الأفلام كـ "بنت الحارس" ،"سفر برلك" و"بياع الخواتم"، ليحفروا بذلك بصماتهم في كل المجالات الفنية.
رحل عاصي عام 1968،وإنفصل التوأمان الرحبانيان،ليكمل الحقبة الثانية من مسيرته الفنية منفرداً محافظاً على نهج المدرسة الرحبانية وكانت "صيف  840 " باكورة أعماله. وتتالت المسرحيات واحدةً تلو الاخري وعاونه فيها أبناؤه اسامة وغدي ومروان، كل حسب المجال الذي يبرع به فقّدم "لوصية"، "ملوك الطوائف"، "المتنبي"، "حكم الرعيان"، "سقراط"، " زنوبيا" وآخره "عودة الفينيق" والتي لا تزال تعرض على خشبة المسرح ولم يتوقف عرضها بعد غيابه.
        طعّم منصور الرحباني الحقبة الثانية من مسيرته الفنية  بأوبيرت "بصباح الألف التالت" . دعا الدول الى وقف الحروب وثارعلى كل أشكال العنصرية والظلم والإضطهاد ونادى بإحترام حقوق الإنسان في العيش الكريم ، مسلطاً الضوء على الواقع المأساوي للإنسان مع بداية الألفية الثالثة.
ولا تقتصر موهبة منصور الرحباني على الكتابة للأعمال المسرحية والأغنيات الهادفة والموّجهة بل كان موهوباً على السواء بكتابة الشعر،فتخطى شعره الحاضر والواقع ليلامس وينغرس في أزمنة وعوالم آخرى.وكتبه الشعرية الأربعة تعد ثمرة أحاسيس وأحوال وعادات وذكريات حاكها بصدق ومسؤولية كبيرتين وهي: "اسافر وحدي ملكاً"، "أنا الغريب الآخر"،"القصور المائية"، "بحّار الشتي".أما الكتاب  الخامس هو "قصائد مغناة"ويحتوي على أجمل الأغاني التي غنتها السيدة فيروز.
إنطفأت شمعة منصور الرحباني الـ 83، لكن مفاهيمه الإنسانية السامية التي تحاكي كل الشعوب وتتخطى الأزمنة والأمكنة إزاذاد نور إشعاعها وفاح رحيق عطرها وها هو يحميها من عليائه ويصلي الى لبنان الفنيق.
       صحيح أن جسده رحل لكنه أبى أن يسافة الى العالم الآخر للقاء عاصي دون أن يترك وصيةً مؤلفو من خمسة أعمال مسرحية ليوجه فيها رسالات جديدة لم يسمح له القدر أن يبسطها في حياته.

       

اوبيرت بصباح الالف التالت 
       
بصباح الألف التالت.. بعد في جوع..
في أطفال مشردين.. و بكي و دموع..
خلينا ننهي الحروب يا الدول القوية.. لا للفقر.. لا للقهر.. لا للعنصرية..
إنتَ مين .. أنا مابسأل.. لكن حزنك قال لي مين.. ولا بعرف أي لون وأي دين..
بعرف إنك خيي.. خيي بالإنسانية..
بصباح الألف الثالث في منفيين..
في ناس بالمعتقلات صار لهم سنين.. خلينا بمطلع هالعصر والدنيا مشتاقة.. ننهي الظلم .. ننهي الخوف .. ع َالعدالة نتلاقي..
أنا من هالشرق جاي.. أرض الإيمان.. ضيعنا مطلع الشمس و لون الزمان.. من عندنا لكل الشعوب بنودي تحية.. جيل يفل.. جيل يطل.. علي وقع الحرية..
إنت مين.. أنا مابسأل.. لكن حزنك قال لي مين.. ولا بعرف أي لون.. وأي دين.. بعرف انك خيي.. خيي بالإنسانية..




                                                            G.H

No comments:

Post a Comment